-->

التلاعب بالذاكرة و نسيان الذكريات السيئة

 هل خطر ببالك يوما أنه بإمكانك تغيير ذكرياتك السيئة؟أو أنه يمكن للعلم تعديل و محو الذكريات البشرية؟هل يمكننا حقا تبديل ذكرياتنا السيئة بذكريات جيدة؟!

تعديل و محو الذكريات


هذا ما أكد عليه كل من عالم الأعصاب ستيف راميريز و شريكه بعد قيامهما بتجربة عملية للتلاعب بذاكرة الفئران ،         

       

إذ يقول راميريز ” يمكن إعادة كتابة الذكريات المؤلمة بمعلومات إيجابية “

مثل الناس الذين يعانون من الاكتئاب الحاد أو إضطراب ما بعد الصدمة يمكن تغيير ذكرياتهم حيث لا يكون للذكرى المؤلمة نفس الاستجابة العاطفية القوية للعقل .

ما هي الذاكرة؟

يطلق علماء الأعصاب مصطلح "إنغرام" علي الذاكرة المتعلقة بحدث واحد ، و "إنغرام "هو تغيير فيزيائي مادي يحدث في أنسجة المخ المرتبطة بتذكر حدث معين، و قد كشفت الفحوصات المسحية علي الدماغ مؤخرا أن "إنغرام" لا يقع في منطقة واحدة في الدماغ ، بل يظهر في شكل ألوان متناثرة على امتداد الأنسجة العصبية للدماغ.

وبحسب ستيف راميريز، أستاذ علم الأعصاب في جامعة بوسطن، فإن الذاكرة تبدو أشبه بشبكة في الدماغ أكثر من كونها بقعة واحدة، نظراً لأنه عندما يتم تشكيل ذاكرة "إنغرام" في الدماغ، فإنها تتضمن جميع المدخلات المتعلقة بالبصر والسمع واللمس التي تجعل التجربة التي تعرض لها الإنسان لا تُنسى، ومن ثم يجري تشفير خلايا الدماغ في جميع تلك المناطق.



التجربة العملية بمعهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا 

بعد التطور العلمي و التكنولوجي في السنوات الأخيرة تمكن العلماء من تتبع الطريقة التي تتحرك بها الذكريات عبر الدماغ . وخلال التجارب العلملية التي أجراها معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا في بوسطن خلال السنوات الماضية، حقق راميريز وعلماء آخر نتائج عظيمة ، فقد تمكنوا من تحديد الخلايا التي تشكل "إنغرام" واحد في أدمغة الفئران، وزرعوا مكانها ذاكرة مزيفة تسببت في جعل الفئران تتفاعل خوفاً استجابة لمحفز معين، حتى عندما لم يتم تأهيلها لذلك المحفز بشكل مسبق.

و لأن أدمغة الفئران ليست متطورة بشكل كبير مثل نظيرتها البشرية ،إلا أن هذه التجربة ساعدة العلماء علي فهم الدماغ البشرية بشكل أكبر ،كما مكنتهم من تحديد الخطوات التي يجب إتخاذها لتطبيق هذه التجربة علي البشر.

تبديل الذاكرة السيئة بأخري إيجابية 

وخلال عملهم ، قام العلماء ببعض التجارب للتحقق عما إذا كانت الذكريات الإيجابية والسلبية مخزنة في مجموعات مختلفة من خلايا الدماغ. ولمعرفة إذا ما كان يمكن استبدال الذكريات السلبية بأخرى إيجابية. قاموا بحقن أدمغة الفئران بفيروس يحتوي على بروتينات مضيئة (فلورسنت)، وزرعوا أليافاً بصرية عبر جراحة بسيطة، وتمت تغذية الفئران بطريقة تمنع الفيروس من الإضاءة إلا حينما يصبح الباحثون جاهزين لتحديد التجربة الإيجابية من السلبية.

أنشأ العلماء الذكريات الإيجابية عن طريق وضع ذكور الفئران في أقفاص مع إناث الفئران لمدة ساعة، والذكريات السلبية عن طريق وضع الفئران في أقفاص تؤدي إلى صدمات كهربائية قصيرة في أقدام الفئران، وبعد ما يتم تكييف الفئران وربط المحفزات و الذكريات الخاصة بكل تجربة، تخضع الفئران لعملية جراحية قصيرة كي يتمكن العلماء من تحفيز الخلايا وربطها بـ"إنغرام" إيجابي أو سلبي. بعد ذلك، اكتشفوا أن تنشيط الذكريات الإيجابية أثناء وجود الفأر في قفص يرتبط بالخوف، يجعل ذلك الفأر أقل خوفاً مما يجب أن يكون عليه، ولهذا يعتقد الباحثون أن إعادة ضبط الذاكرة قد يساعد في القضاء على بعض الصدمات التي يتعرض لها الفأر.

وفي حين كان فريق راميريز غير متأكد من أن ذكريات الخوف الأصلية فقدت بشكل كامل أو أنها كامنة فحسب، وقد تعود للظهور، إلا أنه باستخدام تقنية مختلفة تمكنت عالمة الأعصاب شينا جوسلين في جامعة تورينتو، من القضاء على ذكريات الخوف لدى الفئران بعد حقن خلايا "إنغرام" مرتبطة بالخوف بسم "الدفتيريا". ما أدى إلى قتل جزء من هذه الخلايا، وبعدها توقفت الفئران عن الشعور بالخوف عقب محو الذاكرة .

مدي إرتباط هذه التجربة الطبية بالأخلاق

إذا نجحت هذه التجربة علي الإنسان، و أصبح بإمكاننا يوما تعديل ذاكرة الإنسان،فإن ذالك يثير في أذهاننا مدي إرتباط هذه التجربة بالأخلاق، و منها:من الذي يسمح له بتلقي هذا العلاج ؟و هل مسموح بذلك للأطفال؟ هل سيقبل نظام العدالة و القضاء هذه التعديلات عند حدوث جريمة ما و لم يكن الشهود و الضحايا قادرين علي التذكر؟ 

يري بعض علماء الأخلاقيات و منهم أرثر كبلان من جامعة نيويورك، أن هذه القضية تستحق التفكير من الآن،و قبل أن يصبح و العلم و التكنولوجيا مستعدان للتجارب الحقية و الناجحة علي البشر، و يري كابلان ألا يكون تعديل الذاكرة متاحا للجميع و لكن لأولئك الذي يعانون من اضطراب ما بعد صدمة حادة و فشلت العلاجات الاخري معهم.

غير أنه مع تقدم علماء الأعصاب في أبحاثهم، يبدو أن هذه المعضلات الأخلاقية تؤخذ في الاعتبار، فهم يرون أن فكرة التلاعب بالذكريات يجب أن توضع في سياق طبي تجريبي، وأن تطبيق محو الذاكرة أو تعديلها لا يمكن وصفه بأنه جيد أو سيئ، فهي تعتمد على كيفية استخدامها فحسب، لأنها كالماء الذي يمكن استخدامه لتغذية الجسم وترطيبه، كما يمكن استخدامه في التعذيب عبر الغرق.

كما أن عددا من علماء الأخلاقيات لا يريدون التسرع في رفض الفكرة، لكنهم يطالبون بالمضي قدماً ولكن بحذر. فهل تؤيد أنت تجارب تعديل ذاكرة؟