-->

هل عرف المصرى القديم الأضحية ولماذا كان يذبح الحيوان من أسفل القدم الأمامية

 مع إقتراب عيد الأضحى المبارك وهو عيد الأضحية الذى يقوم فيه الكثير من المسلمين حول العالم بذبح الأضاحى إقتداء بسُنة سيدنا إبراهيم عليه السلام، فهل عرفت مصر القديمة الأضاحى؟ وهل ضحى المصريون القدماء؟ وماذا كانت الأضاحى؟ وما قصة ذبح الأضاحى فى مصر القديمة من أسفل أقدامها الأمامية ؟


مشهد مثالي يتكرر دائما في أي مذبح أو جزارة، خاصة في عيد الأضحى، ذلك المشهد ليس بجديد، وتلك الطقوس ممتدة منذ آلاف السنين، فلا يحتفل المصريين بعيد أو مناسبة إلا ووجدنا لها جذور وأصول في الحضارة المصرية القديمة، حتى لو كانت تلك الأعياد سماوية.


كان للمصريين القدماء طقوس خاصة وطريقتهم المميزة في كل شيء؛ حيث صور مشهد من تابوت الملكة "عاشيت" بالمتحف المصري بالقاهرة تنتمي للأسرة ١١ بالدولة الوسطى مساعد الجزار يمسك وعاء ويسكب منه الماء فوق الذبيحة في نفس اللحظة التي يقوم فيها الجزار بعمله .


فقد كان يحرص المصرى القديم على تربية الماشية وتسمينها وحلبها وتوليدها وإرضاعها وعلاجها وتحسين سلالاتها وذلك للإستهلاك اليومى وتحسين الدخل والقرابين، لذا اهتم بها وكان يجز صوفها ويغسلها كل ظهيرة ويضع على ظهرها ما يقيها برد الشتاء ويضع فى رقبتها الزهور، وكان يلاطفها أثناء الطعام والشراب، ويخصص لها حظائر قرب بيته.


وحرص المصريون القدماء على تنظيف الذبيحة ومكان الذبح؛ إذ كان شيء أساسي في تجهيز الأضاحي في مصر القديمة، وفى أغلب الأحيان كان يضاف ملح النطرون للماء المستخدم في تطهير الذبائح والسلخانة لضمان النظافة ولتطهير المكان من الملوثات.


عثر فى اللاهون فى مدنية الفيوم على بردية بيطرية لعلاج عيون وأسنان العجول والكلاب ونرى فى مقبرة تى بسقارة الأسرة الخامسة منظرا يمثل راعيا لاحظ أن أحد العجول لم يكن فى نشاطه العادى فأخذ يفحصه. 


وفي مقبرة "خنوم حتب" ببنى حسن من عصر الدولة الوسطى نرى منظرا يمثل الأطباء البيطريين وهم يقومون بعلاج الحيوانات المريضة منها بعض الثيران والماشية الصغيرة.


المصرى القديم كان يكشف على الحيوان حيث كانت المعابد ترسل كهنة بمثابة مفتشين عند مربى الماشية ويفحصون كل حيوان فحصا دقيقا فى حالة وقوفه ورقاده ويسحبون لسانه لمعرفة سلامته وخلوه من المرض وينظرون إن كان شعر الذيل نامياً نمواً صحيحاً بعد ذلك يعلنون أنه حيوان صالح للذبح وذلك بوضع حبل حول قرنيه ويضعون على الحبل ختم من الطين وهناك على أحد جدران معبد أبيدوس منظراً يمثل أحد الأطباء البيطريين وهو يلقى على الطلبة درساً فى تشريح البقرة.


وفي مشاهد أخرى نرى قاعة كبرى مليئة بالبشر، أغلب الرجال يلبسون أبيض والسيدات ترتدين الأسود، البعض يمسك سكاكين والبعض الآخر يمسك خرافاً أو ماعزاً أو عجولاً والآخرون يقفون للمشاهدة.

قاعة تجهيز الذبيحة عند قدماء المصريين


صوت المياه يختلط مع أصوات الأطفال المهللة، وتكبيرات الرجال الذين يذبحون ونداءات النساء العالية على من يريد أن ينظف رؤوس الماشية المذبوحة.


وفي عام 1922، عثرت بعثة حفائر متحف المتروبوليتان الأمريكي على مقبرة في الدير البحري بالأقصر تعود لشخص يسمى "مكت رع"، كان أحد كبار الموظفين، ويشغل وظيفة مدير القصر الملكي في عهد الملك " منتوحتب الثالث " (الأسرة الـ11) ، وجدت البعثة في المقبرة مجموعة كبيرة من النماذج -الماكيتات- للخدم وأصحاب الحرف والصناعات وحقول وبيوت وأسواق ومذابح.


وكانت من أبرز النماذج التي وجدت هي مجسم لقاعة الذبح، مكونة من عدة غرف، في غرفة منهم يقف الجزارون يتجهزون لذبح العجول المربوطة أرجلها، وبجانبهم يقف المشرف على عملية الذبح كما يوجد في الغرفة كاتب يقوم بالحساب، وطهاة يقومون بتحضير الطعام، فضلًا عن وجود بعض اللحوم المعلقة في طابق ثاني للتجفيف.


كما وُجد مجسم لقاعة أخرى بها ثيران مربوطة وأخرى تأكل من الرعاة، وعجول يتم تسمينها .


لا تكاد مقبرة تخلو من منظر يمثل الثيران وهى تساق إلى قاعة ذات أعمدة بينما يشرف رئيس القصابين على عملية الذبح وقطع اللحوم وتعليقها لكى تجف وكانوا يحظرون ذبح إناث البقر لما يؤدى إليه ذبحها من القضاء على الثروة الحيوانية.


وكان يوضع فى رقبة الثور المضحى به "جرس"، كانت عادة المصريون القدماء عند تقديم القرابين للإلهة أن يوضع جرس حول رقبة العجل ليعلم كل الناس أنه سوف يقدم قرباناً للإله ويوسعون له الطريق وأيضا لكي يعلم الفقراء أن هناك أضحية فيذهبون الي المعبد لنيل قدر من اللحم.

الإهتمام بالذبائح المقدمة كقرابين للآلهه


عرف عن المصرى القديم الرفق بالحيوان بل عرف أيضاَ ضرورة ترديد نصوص دينية معينه قبل ذبح الحيوان، فكان يبدأ " باسم الإله " وبما نصه : "باسم الإله العظيم ليتقبـلها الآله من عبده".


كما أن المصريون القدماء كانوا يتلون تسـابيح وصلوات قبل وأثناء ذبح الأضحية ودليلنا على ذلك هذا مشهد رائع من مقبرة الكاهن "مننا " فى منطقة شيخ عبد القرنة بالأقصر من فترة الملك تحتمس الرابع تصور كيف كان المصريون يذبحـون الثور ويقدمونه كقربان قبـل الذبح يطعمونه ويسقونه المياه ويضعون على عيونه رباط من الأقمشة حتى لا يرى السكين وخاصة فى الأضاحى الكبيرة كالثيران فيلقون الثور علي ظهره ساقاه الخلفيتان مربوطتان والجزار يذبحه من طرفه الأمامي الأيمن ومن خلف الذبيحة يقف كاهن يصب الماء المقدس على الذبيحة ليطهرها وكاهـن آخر من ورائه يتلـوا طقوس وترانيم الذبح وبيده الأخرى بردية يبدو أن مكتوب بها الطقوس المقدسة .


وأن الذبيحة كانت تقسم ثلثها للمعبد خاصة الفخذ الأيسر والثلث لأصاحبها وثلث يوزع للفقراء، هكذا كانت حضارتنا المصرية القديمة التي كانت المنهل الذى نهلت منه كل الحضارات والأديان بطريقة مباشرة وغير مباشرة.


فكرة ذبح الأضاحي في عدة مناسبات عند القدماء المصريين كانت تتم تقربًا للآلهة وطقساً أساسياً في عباداتهم، كما أنهم اعتمدوا على إهداء لحوم الأضاحي لكي يعم الرخاء والغنى في الدولة المصرية القديمة لأن الجميع يأكل في هذا الوقت أفضل أنواع اللحوم سواء غنياً أو فقيراً.


وقام القدماء المصريون بتصوير مراسم الأضحية على جدران المعابد على شكلين الأول يرمز " لعيد حورس " والثاني إرتبط " بالإلهة ماعت " التي كان يرمز للنظام والحكم، وأضاف أنه بجانب تقديم الأضحية للتقرب من الآلهة فكانت تقدم خوفاً من غضب الطبيعة.


وقدمت هذه القرابين تحت إشراف كبار الكهنة في المعابد، وتنوعت الأضاحي بأنواع كثيرة من اللحوم والأطباق الشهية الفاخرة بجانب الخبز من كحك وقُرص وخبز وكانت هناك ولائم يتم عملها على المقابر وداخل المعابد.


وكان موسم الحج فى مصر القديمة ضمن أشهر مواسم الذبح وتقديم الأضحية للآلهة وعُثر على العديد من المذابح بالمعابد المصرية القديمة، وكانت على شكل كتل حجرية ضخمة. 


ووجدنا أيضًا بعض المذابح المركبة التى كانت تتكون من قواعد أسطوانية، وكانت توضع فوقها لوحات من الحجر لحرق البخور أثناء عمليات الذبح وتقديم الأضحية بالمعابد من خلال المواسم المختلفة سواء الحج والأعياد والإحتفالات الدينية.


وكان أجدادنا المصريون القدماء أول مَن عرفوا تقديم الأضاحى للتقرب من الآلهة وكان المصريون القدماء يقومون بذبح الأضاحى بشكل متميز للغاية ، وكان المصريون القدماء يختارون الحيوانات السليمة صحيًا الصالحة للذبح. 


وظهرت فى الفن المصرى القديم مناظر عديدة وجميلة تصور الثيران المُعَدّة للتضحية والذبح وهى فى طريقها إلى الذبح والتضحية ونرى عادة فى المقابر الفرعونية المناظر الفنية المنفذة ببراعة، والتى تصور كيف كان المصريون القدماء يذبحون الثيران ويقدمونها كقرابين على موائد الآلهة المختلفة أو الأفراد قبل الذبح وكانوا يطرحون الثور على ظهره وكانت ساقا الحيوان الخلفيتان مربوطتين مع ساقه الأمامية اليسرى، وكان الجزار يذبحه من ساقه الأمامية اليمنى وذلك لأنهم كانوا على علم بالتشريح والذى يوضح أن الشريان الإبطى عند جرحة يسبب إغماء ثم الموت فيغمى عليه ثم يموت .

طريقة ذبح الأضحية عند قدماء المصريين


وفى مشاهد ذبح الأضاحى كان الجزار يقوم بالذبح وكان مساعد الجزار يمسك وعاء ويسكب منه الماء فوق الذبيحة كى يطهرها بينما كان يشرف رئيس الجزارين على عملية الذبح وتقطيع اللحوم وتعليقها كى تجف ، وكان فخذ الثور هو أشهى ما فى الذبيحة، وكان يقدم بإستمرار على موائد القرابين الإلهية والخاصة بالأفراد ، وكذلك كان يتم تنظيف الذبيحة ومكان الذبح وما يتبعه من أمور بعد الإنتهاء من عملية الذبح والتضحية، وذلك من أهم الأشياء الأساسية فى الإعداد للأضاحى فى مصر القديمة.